شابّ في عشريناته يواجه الحاكم المنتصر

شابّ في عشريناته يواجه الحاكم المنتصر

شابّ في عشريناته يواجه الحاكم المنتصر

 الالأردن اليوم -

شابّ في عشريناته يواجه الحاكم المنتصر

بقلم : حازم صاغية

نتخيّل شابّاً في عشريناته، تعلّم في بيت أهله بعض القيم، ثمّ كرّستها فيه المدرسة التي درس فيها، ومن بعدها الجامعة. وهي قيم ظنّ أنّ الدنيا تنتظرها كونها تحضّ على ما هو خيّر ومفيد.

الشابّ هذا كان طفلاً حين تولّى الحكمَ مَن صار الحاكم. لكنّه حين أُعلن عن «انتصاره» بعد ثورة وحرب أهليّة دامتا ستّ سنوات، استغرب واندهش. ولكثرة ما فكّر في الأمر، مستعيناً بالقيم التي يحملها، أصابه ما يشبه المسّ الذي يعصف بكلّ ما تعلّم أنّه صائب، أو اعتقد بأنّه صحيح.

فقد بدا له غريباً جدّاً أن يُكافأ بالنصر من تسبّب بمقتل نصف مليون إنسان، وبتهجير نصف سكّان بلده من بيوتهم، وربعهم من البلد ذاته. وقد استبدّت به الغرابة حتّى تملّكته حين تصاحب هذا النصر مع تدمير ذاك الحاكم إحدى أجمل مدن العالم.

قال لنفسه: ربّما كان هناك ما لا أعرفه. ربّما كان الحاكم قائداً تاريخيّاً كافأته مواصفاته الفذّة بهذا الانتصار؟ لكنّه ما لبث أن تذكّر أنّه لم يأت مرّةً ما يوحي بتلك الفذاذة قبل أن يرث الحكم عن أبيه. لم يُعرف بشيء، مطلق شيء. فهو لم يملك حتّى موهبة بعض الذين وصلوا إلى السلطة عن طريق المؤامرات داخل أحزابهم وجماعاتهم، إذ لم يُحوجه التوريث السهل إلى التفكير في ذلك.

صاحبنا قال: قد يكون وراء ذلك تكريمٌ لأبيه وللرصيد الذي خلّفه، هو الموصوف بأنّه صاحب «انتصارات تاريخيّة» في «معارك قوميّة». لكنّه، هنا أيضاً، ما لبث أن استدرك وتذكّر أنّ الأب الراحل لم ينتصر على دجاجة في كلّ «حروبه القوميّة» تلك، كما لم يملك من عناصر الكاريزما أكثر ممّا يملكه نجله. لقد كانت الصفة الأبرز التي تُنسب إليه قدرته على الجلوس ستّ ساعات متواصلة على الكرسيّ ذاته. فهو، إذاً، صاحب موهبة رياضيّة أو جسمانيّة بدّدها في سياسات المكائد والحروب الخاسرة.

مضى يتساءل: هل أنّ الحاكم قارىء؟ لا. كاتب؟ لا. عالم؟ لا. خطيب؟ لا.

صفن صاحبنا قليلاً وقال لنفسه:

ربّما كان في الأمر تكريم للفنون، للآداب، للموسيقى؟ لا. لا. لا. للوسامة؟ لا. للنجوميّة؟ لا. لحسّ الفكاهة؟ لا. لسلامة النطق؟ لا...

الشابّ العشرينيّ لم يفهم. فما هو معروف عن الحاكم المنتصر وما هو ظاهر للعيان لا يقدّم أيّ إسهام في حلّ المعضلة. وإذ أحسّ بما يشبه الدوار نتيجة عجزه عن الفهم، قال لنفسه، في محاولة أخيرة للتوصّل إلى تفسير منطقيّ: لكنّه، بعد ستّ سنوات من القتال، تمكّن من الانتصار. ألا ينمّ هذا عن طاقة قياديّة ما؟

وهنا أيضاً عاودت الحقائق المثيرة للاضطراب إلحاحها عليه: لقد انتصر بفضل دول وميليشيات أجنبيّة لا حصر لها، كانت هي التي قادت وخطّطت.

لم يستطع صاحبنا الوقوع على سبب مقنع يهدّىء حيرته المعذِّبة والتي تهدّد نظام قيمه بالاختلال. أحسّ أنّ ثمّة خطأ في نظام الكون. في معنى الأشياء. شكّك في أن تكون الأرض مستديرة. شكّك في صحّة المساواة بين الرجل والمرأة. في أهميّة العقل. في فائدة التقدّم. تلمّس أجزاء من جسمه ليتأكّد من أنّه هو نفسه موجود.

أسرع قاصداً معالجه النفسيّ. الأخير كان في غاية الصراحة والوضوح. قال له إنّ ثمّة حلّين: إمّا أن تقتل الحاكم أو أن تقتل نفسك. في الحالة الأولى، تزيل التناقض الذي يُلحق الشلل بك. في الثانية، تزيل الشلل وتترك التناقض لآخرين يتعاملون معه من بعدك.

صاحبنا فكّر بأنّ الانتماء إلى تنظيم عدميّ وتكفيريّ ربّما كان نقطة التقاطع بين الاغتيالين اللذين اقترحهما عليه الطبيب. وفي طريقه إلى ذاك التنظيم شوهد، للمرّة الأخيرة، مُرّاً ومتجهّماً كأنّه يزرع سكّيناً في صدر الحاكم وسكّيناً في صدره هو، مفجوعاً بالعالم ومفجوعاً بفراقه. لكنّه، مع هذا، بقي مُصرّاً على المضيّ في تمتمته المكسورة:

«تضرب أنت وهالخطابْ

الحرّيّة صارت عالباب...».

كثيرون جدّاً، اليوم، أولئك الشبّان الذين يعانون ما يعانيه صاحبنا. الدنيا موصدة أمامهم. التفاؤل بهذا العالم ليس في محلّه. نعم، هناك خلل كبير في الحياة. في المعنى. في القيم.

jordantodayonline

GMT 00:24 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم؟

GMT 06:35 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تلخيص السودان في لاءات ثلاث!

GMT 05:41 2020 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان: الكذب الذي يستحيل كشفه!

GMT 06:38 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

عن حياتنا المعلّقة والغامضة اليوم...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شابّ في عشريناته يواجه الحاكم المنتصر شابّ في عشريناته يواجه الحاكم المنتصر



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 05:25 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرّفي على أبرز الشائعات في مجال العناية بالشعر

GMT 04:16 2016 السبت ,24 أيلول / سبتمبر

كريستين ستيوارت مثيرة في حفل إطلاق عطر شانيل

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

عبدالفتاح ينتقد تصريحات آل الشيخ عن التحكيم المصري

GMT 22:03 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

مهرجان الفيلم الأوروبي في رومانيا مايو المقبل

GMT 13:30 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

مراهق لبناني يتمكّن من هزيمة "الحوت الأزرق"

GMT 21:23 2018 الأربعاء ,18 إبريل / نيسان

أكثر من 95٪ من سكان العالم يتنفسون هواء غير صحي

GMT 10:04 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

"Owl" تنتج أسرع سيارة كهربائية في العالم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab