إشارات متضاربة من الصين

إشارات متضاربة من الصين

إشارات متضاربة من الصين

 الالأردن اليوم -

إشارات متضاربة من الصين

بقلم - أمير طاهري

هل الصين خائفة أم مخيفة؟ لدى إمعان النظر في القرارات الصادرة الأسبوع الماضي عن جلسة الانعقاد السنوي لمجلس الشعب الصيني، نجد أنها ربما تكون الاثنين معاً. أو إذا أردنا التعبير عن الأمر بصورة مختلفة، فإنه مثلما حدث من قبل في مرات عدة على امتداد العقود الماضية من الحكم الشيوعي، فإن الصين قد تصبح مخيفة لأنها تشعر بالخوف.

يشار إلى مجلس الصين الشعبي في الغرب باسم البرلمان؛ لكنه يبدو في حقيقته كياناً غريباً. ويتمثل الهدف الأساسي من وراء تكوينه في الموافقة على مشروعات القوانين التي تقدمها القيادة، و - من الناحية النظرية على الأقل - عقد نقاشات حول السياسات، والتصرف كجهة رقابية على مجمل الأوضاع العامة داخل الجمهورية الشعبية.

بيد أنه في الوقت ذاته لا يمكن بالتأكيد النظر إليه باعتباره برلماناً بالمعنى العام المتفق عليه لهذا التوصيف، وإن كان هذا الكيان في الوقت ذاته ليس كياناً أجوف، جل مهمته الموافقة تلقائياً على القوانين المعروضة عليه. ورغم أن هذا المجلس ربما يكون بمثابة حوض بحري صغير مقارنة بالمحيط الهائل الذي تمثله الصين، فإنه قد يوفر فرصة لمشاهدة جميع أنواع الأسماك المسموح لها بالسباحة، وتقييم حجم كل منها.

إذن، ما الذي يكشفه لنا هذا الحوض البحري في الوقت الحالي؟
تدور الملحوظة الأولى حول فكرة أن التدفق الضخم لشخصيات كبرى الذي توقعه بعض المتخصصين في الشأن الصيني، لم يحدث، فقد تمكن الرئيس شي جينبينغ من إعادة التأكيد على قيادته، مع وجود رئيس الوزراء لي كه تشيانغ بمثابة مساعد مقرب له. ويمكن القول إنه بوجه عام ما شاهدناه هو إعادة تمترس حذر، وليس إعادة تعديل جريئة. وعلى ما يبدو، خلص الفريق المعاون للرئيس الصيني إلى أن الوقت ليس مناسباً لإحداث قلقلة في الوضع القائم، ما يعتبر إشارة أولى للشعور بالخوف.

وجاءت إشارة ثانية إلى الشعور بالخوف، عندما تراجعت حملة مكافحة الفساد التي طال الحديث عنها والترويج لها، وكان متوقعاً لها الهيمنة على العناوين الرئيسية لجلسة انعقاد المجلس المؤجلة، إلى بضع عبارات مجازية فحسب.

وربما شكل الخوف كذلك القوة المحركة وراء التمرير المتعجل لتشريع مهلهل مصمم من أجل تكميم أفواه النقاد الداخليين؛ خصوصاً النشطاء «المؤيدين للديمقراطية» في هونغ كونغ. واخترعت القيادة السياسية للحزب الحاكم اتهامات ليس لها توصيف قانوني واضح، وبذلك أصبح من الممكن توجيه اتهام لأي «مغرد» مفرط في الحماس عبر «تويتر» بالخيانة العظمى.

وأيضاً ربما يكون الخوف أحد الأسباب وراء اتخاذ الحزب الحاكم قراراً بالتخلي عن سياسته التي انتهجها طيلة 30 عاماً، باللعب تبعاً للقواعد المتعارف عليها فيما يخص الاتفاقات الدولية، وذلك عندما لمح مجلس الشعب الصيني إلى رفضه اتفاق «دولة واحدة - نظامين» الذي سلمت بريطانيا بمقتضاه هونغ كونغ إلى الجمهورية الشعبية عام 1997.

وربما يكون الخوف ذاته؛ لكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة، ما ألهم التركيز غير المعتاد من جانب مجلس الشعب الصيني على تايوان، مع التشديد على الطبيعة المقدسة لـ«الإجماع» حول وضع المضيق عام 1992، والإشارة إلى مبدأ «صين واحدة» الذي أصبح محل تساؤلات متزايدة داخل تايوان.

بالتأكيد لم تكن هناك تهديدات باستخدام القوة العسكرية، وأبدى قادة بكين قدراً كافياً من الحكمة جعلهم يمتنعون عن العودة لأساليبهم القديمة المرتبطة بإثارة المشكلات عبر بوابة كوريا الشمالية. ومع هذا، يبدو واضحاً أن بكين مذعورة من تفشي عدوى الديمقراطية، ليست القادمة من هونغ كونغ فحسب، وإنما كذلك تايوان التي أظهرت أن بناء «صين» مزدهرة للغاية وديمقراطية على نحو معقول ليس حلماً بعيد المنال.

اليوم، تبدو قيادة بكين مدركة أن الثورة الماوية القديمة التي بلغت ذروتها في قيام الجمهورية الشعبية وضم شرق تركستان والتبت ومنشوريا ومنغوليا الداخلية، لم تعد أساساً كافياً لشرعيتها. وعليه، سعت منذ تسعينات القرن الماضي نحو إيجاد أسس جديدة لادعاءاتها بالشرعية، منها «الاستعادة» السلمية لهونغ كونغ وماكاو، وبناء علاقات ناجحة مع تايوان.

ومع هذا، يظل الادعاء الأساسي للشرعية من جانب النظام قائماً على النجاح الاقتصادي الذي نجح في دفع مئات الملايين خارج دائرة الفقر، وبناء طبقة وسطى جديدة. وساعد هذا النجاح بدوره الجمهورية الشعبية في كسب الاعتراف والاحترام على الصعيد الدولي.

إلا أن أزمة فيروس «كوفيد - 19» ألقت بظلال قاتمة على هذه الصورة. وتشوهت صورة بكين الدولية بسبب عدد من الأخطاء؛ بل ومحاولات الخداع الصريحة. وتسببت حالة تراجع اقتصادي أدت إلى حدوث أول انخفاض في إجمالي الناتج الداخلي للبلاد بنسبة تقدر بحوالي 10 في المائة، في إثارة تسونامي من البطالة، شمل ما يزيد على 130 مليون شخص اعتبروا فائضين عن الحاجة، على الأقل على مدار المستقبل المنظور.

منذ عام، كانت الدعايات الصادرة عن بكين تحاكي شعار «الحلم الأميركي»، من خلال التباهي بـ«الحلم الصيني» الذي تسعى البلاد لإنجازه في نهاية قوس قزح المتمثل في مشروع «الحزام والطريق» الضخم.

وتبدو إمكانية إرجاء هذا الحلم مخيفة للغاية، لنظام يفتقد آلية موثوقاً بها للتشارك في السلطة عبر المجتمع. وفي حالات مشابهة، تبحث غالبية الأنظمة الاستبدادية عن عدو أجنبي لإلقاء اللوم عليه عن كل المسارات التي لا تسير بها الأمور على النحو المأمول.

ووجد الحديث عن شراكة استراتيجية جديدة بين الصين وروسيا أصداء له داخل مجلس الشعب الصيني، مع الإشارة إلى الأموال الصينية والتكنولوجيا الروسية، باعتبارهما مكونين طبيعيين في المعادلة الجديدة للهيمنة العالمية. إلا أن أحداً لم يذكر أن الأموال قد تنفد لدى الصين، وأن التكنولوجيا الروسية ربما يقتصر الاهتمام بها على الأثريين. وعادة ما تكون مهاجمة الغرب السبيل السهل للتعتيم أمام أي نظام استبدادي يعاني من أزمة.

وعليه، لم يكن من المثير للدهشة أن ينصت مجلس الشعب الصيني لدعوات «ألا تحاكي الصين النموذج الغربي في التنمية»، والسعي «نحو مسار خاص بها نحو الارتقاء». ورافق هذه الرؤية الفلسفية الزائفة للقومية إلقاء اللوم على الولايات المتحدة باعتبارها تسعى لإثارة حرب باردة جديدة ضد الصين.

بيد أن المشكلة أن الولايات المتحدة ليست لديها سياسة متسقة ذات معنى استراتيجي حقيقي تجاه الصين. الحقيقة أن العبارات الخطابية والإشارات الدبلوماسية لا ترقى إلى أن تكون سياسة تليق بقوة عظمى في علاقة تنافس وشراكة مع قوة أخرى. وتشبه مسألة فرض عقوبات رمزية في الجزء الأكبر منها، ترك سيارتك على جانب الطريق لأنك لا تدرك إلى أين تود الذهاب.

الأمر المؤكد أن أزمة «كوفيد - 19» والتراجع الاقتصادي الذي صاحبها يفرضان نظرة جديدة على نظام عالمي تحت ضغط. وفي إطار هذه النظرة الجديدة، تحمل مسألة تحديد المكان المناسب للصين أهمية محورية.

المؤسف أن هذه القضية لا تحتل مكانة بارزة في الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية داخل الولايات المتحدة. والواضح أنه لا يمكن التعامل مع الصين في إطار نظام عالمي معدل، من خلال إطلاق الإهانات والشتائم وترديد عبارات مكررة، مثل «الخطر الأصفر».

 

jordantodayonline

GMT 04:56 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

العبور إلى النصر على جسر الموسيقى

GMT 13:10 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

من شعراء الأندلس - ٢

GMT 04:08 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

زهد موريتانيا ومنظومة الأمونيوم اللبنانية

GMT 03:07 2020 السبت ,22 آب / أغسطس

بري والحريري لن يتركا لبنان ينهار

GMT 10:31 2020 السبت ,15 آب / أغسطس

نصرالله يدافع عن سقوط حكومته

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إشارات متضاربة من الصين إشارات متضاربة من الصين



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 01:54 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال السعودي مقابل درهم مغربي الاثنين

GMT 00:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس جمهورية جيبوتي يؤدي مناسك العمرة

GMT 03:09 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

بدائل جذابة وعصرية للفساتين السواريه

GMT 11:32 2018 الأحد ,27 أيار / مايو

عطر" Eau De Memo" الباريسي رحلة عبر حاسّة الشمّ

GMT 23:08 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

خلطات سهلة تساعدك على تقشير بشرتك الدهنية

GMT 16:27 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

رماية الإمارات تستهل مشاركتها في مونديال كوريا

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مرتضى منصور يؤكد تفاوض "الزمالك" مع حمزة المثلوثي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab