لماذا تختار تركيا الحروب

لماذا تختار تركيا الحروب؟

لماذا تختار تركيا الحروب؟

 الالأردن اليوم -

لماذا تختار تركيا الحروب

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الخبر السياسي الأهم الذي يأتي بعد أخبار فيروس «كورونا» في المنطقة والعالم هو خبر الصدام المسلح بين الجيش التركي والميليشيات الموالية له من جهة، والنظام السوري والجيش الروسي من جهة أخرى، لأنه ينذر بتصعيد الصراع في المنطقة ليصبح صراعاً دولياً ساخناً.

هذا التطوّر الخطير الذي دخل فيه حلف «الناتو» على خط الأزمة السورية، يهدد بمواجهة جديدة بين الشرق والغرب؛ بين روسيا والصين من جهة، وأميركا والدول الغربية في الجهة المقابلة، وكل المبررات لكل الأطراف منطقية ويمكن الاعتماد عليها لتطوير المواجهة، وهذا مخيفٌ حقاً.

حين كتب عدد من الباحثين والكتّاب محذرين من رؤى الإدارة الأميركية السابقة، إدارة أوباما، لم يكن ذلك لمجرد هوى في النفوس أو رغباتٍ شخصية، بل كان عن علمٍ وفهمٍ للمعطيات الواقعية حينها، والمآلات المستقبلية لتلك السياسات، وما هذا التطور الخطير على الحدود السورية - التركية إلا مجرد مثالٍ لما أوصلت إليه تلك القرارات التاريخية الخاطئة والخطيرة على المنطقة والعالم بأسره.

كل مَن كان عاجزاً عن رؤية خطورة وخطل سياسات أوباما، يبصر اليوم واحدة من تلك الخطايا السياسية، بل والإنسانية، في ملايين المهجّرين وملايين القتلى، وكل من لم يكن مؤدلجاً يسارياً أو إسلاموياً يستطيع أن يرى بوضوح أن المنطقة أصبحت على كفّ عفريتٍ بسبب تلك السياسات الانسحابية والانعزالية.

لا تخطئ العين توجهات السياسة التركية في السنوات الأخيرة، حيث بدأت تتجه بقوة للاعتماد على قوة السلاح الخشن عبر قواتها المسلحة، بعدما مُنيت بهزائم اقتصادية كبرى وفشل تلو آخر في الملف الاقتصادي الأهم في وصول حزب «العدالة والتنمية» لسدة الحكم هناك، ومعلومٌ أن الحروب من أهم وسائل الدول التي تفشل داخلياً وتسعى لتصدير مشكلاتها للخارج.

لقد اهتمَّت تركيا ببناء قواعد عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وتستهدف اختراق العالم العربي والدول العربية، فقاعدة في الصومال وأخرى في قطر وثالثة في السودان قبل أن تطردهم الدولة السودانية والشعب السوداني، وهي تتجه بالقوة، ودون وجه حقٍ، للاعتداء على اكتشافات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، وفي دولة قبرص، ضد توجهات أميركا والاتحاد الأوروبي.

مع هذا كله، فهي لا تجد حرجاً من الاستعانة بحلف «الناتو» في مواجهة روسيا، خوفاً من القوة العسكرية الروسية الضاربة، وقد خافها إردوغان من قبل عندما أسقطت طائرة تركية طائرة روسية في بدء التدخل الروسي في سوريا، وهرع عندها إردوغان إلى روسيا، وقدم آيات الاعتذار والأسف لإرضاء الرئيس بوتين.

هذا بالإضافة إلى أن إردوغان عاند أميركا ودول «حلف الأطلسي»، عندما أصر بعنجهية على شراء صواريخ «إس - 400» الروسية، ما اضطر أميركا إلى إيقاف صفقات سلاحٍ مهمة مع تركيا، وها هو اليوم يلجأ إليها مجدداً، ويطلب من الحلف أن يقف معه.

التناقضات السياسية تحدث عن غبش الرؤية السياسية، واختلاط واشتباك الغايات والأهداف المتضادة، وهي في كل الأحوال تعبير عن تخبطٍ سياسي في منطقة لا تحتمل كثيراً من الأخطاء في الحسابات السياسية التي تُقاس بميزان الشعرة، وأي اختلال فيها قد يؤدي لما لا تُحمد عقباه على المستوى الدولي، وما سخونة الأحداث في إدلب السورية إلا نموذج لما يمكن أن يحدث في هذا الوقت العصيب.

اختارت تركيا، دون اضطرارٍ، أن تدخل الحرب، وتحتل أجزاء من دولتين عربيتين، هما سوريا وليبيا، وأرسلت جنودها وضباطها وقواتها وميليشياتها إلى هاتين الدولتين العربيتين، وقد أصبح جنودها يعودون في صناديق الموتى من الدولتين، تقتلهم روسيا في سوريا، ويقتلهم الشعب الليبي وجيشه وقبائله في ليبيا، تعددت الأسباب والقتل للجنود الأتراك واحدٌ.

لا يخلو تراث الأمم ومقولات الحكماء من التحذير من الحروب بكل ما تحمله من مخاطر وأضرار للدول والأمم والشعوب، ولطالما تجنّبها العقلاء ودفعوها بكل ما يستطيعون، ولكن الذي يجري في تركيا اليوم هو الرغبة الملحّة لدى صانع القرار التركي في خوض الحروب والانغماس في أتونها. منذ عقودٍ ودم الجندي التركي كان مصوناً، بعدما سقطت الخلافة العثمانية الديكتاتورية الدموية وقامت الدولة التركية العلمانية الحديثة، ولكنه اليوم أصبح رخيصاً جداً؛ فهو يُقتل، بالعشرات والمئات، في سوريا، ويُقتل مرتزقاً رخيصاً تُباع حياته وتاريخه وشرفه في حربٍ أهلية تدفع ثمنها قطر، والجندي الذي يصبح سلعة وبندقية للإيجار لا قيمة له.

الإهانة التي تحدث للجيش التركي لا مثيل لها من قبل، وتحدث بلا مبررٍ، فلا هي لأجل الدفاع عن تركيا، ولا مصالحها، بل لخدمة فكرة مجنونة لدى فردٍ واحدٍ ممتلئ بآيديولوجيا أصولية إرهابية متخلفة، وبحلمٍ شخصي لهذا الفرد بأن يصبح خليفة للمسلمين، دون أي منطقٍ من دين أو عقل أو تاريخ.

هذه السياسات التركية هي أقرب ما تكون مغامراتٍ غير محسوبة العواقب، بحيث تشكل خطراً كبيراً على الدولة التركية التي قد تجد نفسها في خطر وجودي يعيدها عقوداً إلى الوراء، ويهز بقوة مكانتها في المنطقة، ما قد يخلق فراغاً كبيراً فيما لو حدث وتحولت تركيا لدولة فاشلة، وأي مهمة لتجنب السيناريوهات الأسوأ يجب أن تأتي من الشعب التركي نفسه ومؤسساته وقواه السياسية.

كما اعتذر إردوغان من قبل لبوتين، فها هو اليوم يعيد الكرّة، فيصعّد ضد روسيا، ويتحداها، وهو يعلم أنه سيخضع في النهاية، ولن يستفيد شيئاً سوى الإمعان في إذلال الجيش التركي، وإهانة الدولة التركية.

ادعاء القوة دون امتلاكها، والتوسُّع في ذلك الادعاء، يعرّض الدول لانكساراتٍ تاريخية كبرى، وهو ادعاء مهلكٌ للدول حين تصرّ عليه حتى النهاية، وأقرب الأمثلة ما صنعه صدّام حسين بنفسه وبالدولة العراقية؛ فلم يستفق إلا وقد سقطت الدولة وانهار الجيش وانقلب كل شيء، رأساً على عقبٍ، ولات ساعة مندمٍ، وها هو مصير الشعب العراقي تذروه الرياح، وتنهكه التدخلات الخارجية، وتحكم الدولة التي حاربها لثماني سنواتٍ في دولته وحكومته وقياداته السياسية. التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن من لا يعرفه يقع في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها من سبقوه، ولا شيء يقضي على الدول مثل الغرور غير المبرّر والاقتناع بقوة غير موجودة أصلاً.

أخيراً، فاختيار تركيا للحروب خطرٌ عليها وعلى جيرانها وعلى المنطقة والعالم؛ فالحروب ليست لعبة ولا تسلية.

jordantodayonline

GMT 00:33 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عن ردع إيران إقليمياً ودولياً

GMT 00:24 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم؟

GMT 00:20 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العرب بين أميركا بايدن أو ترمب

GMT 00:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أسبوع عالمي «إرهابي» بامتياز

GMT 00:04 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حرمان الأمومة... مرتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تختار تركيا الحروب لماذا تختار تركيا الحروب



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 01:54 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال السعودي مقابل درهم مغربي الاثنين

GMT 00:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس جمهورية جيبوتي يؤدي مناسك العمرة

GMT 03:09 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

بدائل جذابة وعصرية للفساتين السواريه

GMT 11:32 2018 الأحد ,27 أيار / مايو

عطر" Eau De Memo" الباريسي رحلة عبر حاسّة الشمّ

GMT 23:08 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

خلطات سهلة تساعدك على تقشير بشرتك الدهنية

GMT 16:27 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

رماية الإمارات تستهل مشاركتها في مونديال كوريا

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مرتضى منصور يؤكد تفاوض "الزمالك" مع حمزة المثلوثي

GMT 23:15 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

بذور الكينوا تعالج الضغط المرتفع والعلاج النصفى

GMT 07:23 2016 الثلاثاء ,05 إبريل / نيسان

قواعد الاتيكيت في الرحلات الصغيرة داخل السيارة

GMT 03:26 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إدارة "القادسية" تتلقي عرضًا من نادي "غوياس" البرازيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab