بين سويسرتين

بين سويسرتين!

بين سويسرتين!

 الالأردن اليوم -

بين سويسرتين

بقلم - حسين شبكشي

كنتُ في اجتماع غير رسمي مع مجموعة من رجال الأعمال، أحدهم لبناني، وأخذنا الحديث، كما هي العادة في أحداث الساعة في المنطقة، وصولاً للوضع المتردي والمقلق والمخيف في لبنان من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والإنسانية؛ فعلق أحد المشاركين في الحديث معنا بقوله إنه من المحزن الوضع الذي يمر به لبنان، أو كما يسميه محبوه «سويسرا الشرق»، وهنا تنهّد الرجل اللبناني، وأضاف: «نعم، لبنان كان سويسرا الشرق؛ فأنت كان بإمكانك أن تتزلج على الثلوج في أعالي الجبال، وتنزل لتسبح في البحر، في اليوم نفسه، بشكل مدهش، وخلال اليوم تتمتع بالتسوق في أجمل المحلات التجارية لأهم العلامات المشهورة من عواصم الفخامة والأناقة من حول العالم، بالإضافة إلى التمتع بما لذ وطاب من الأطعمة المختلفة من مطابخ العالم، ناهيك بالترفيه والاستعراض بمختلف أشكاله».
تمعنتُ وأنصتُّ باهتمام لما قاله الرجل، وقلت له: «يا سيدي، إن المقارنة بسويسرا بحاجة لوقفة أعمق من ذلك؛ فسويسرا تؤخذ كحزمة متكاملة وليس بشكل انتقائي، ودعني أتوسع معك في مقصدي... سويسرا مثل لبنان، فهي أيضاً بلد صغير في حجمه الجغرافي، وتقع بين دول كبرى ومهمة ومؤثرة جداً ولها مطامع توسعية تاريخية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ومع ذلك اختارت سويسرا الطريق الحيادي الصعب، وبقيت عليه، واختارت أن تكون دولة مدنية علمانية، وحافظت عليها، ورغم التنوع العرقي (فرنسي، وإيطالي، وسويسري) والانقسام المذهبي بين الكاثوليك والبروتستانت بشكل أساسي... في ظل هذه التحديات اختارت الدولة الصغيرة في قلب أوروبا الكبير، التي وُلدت من رغبة الفلاحين والمزارعين، أربع مقاطعات للاتحاد، منذ أكثر من 800 عام تقريباً، وبعدها كبر الاتحاد بانضمام مقاطعات أخرى له، ثم كانت ولادة الدستور السويسري العظيم الذي أتت مقدمته المبهرة كالآتي:
(المقدمة
باسم الله العظيم.
الشعب السويسري ومقاطعاته،
إدراكاً منهم لمسؤولياتهم تجاه الخليقة،
قرروا تجديد تحالفهم من أجل تعزيز الحرية، الديمقراطية، الاستقلال والسلام بروح التضامن والانفتاح تجاه العالم.
وعازمون على العيش معاً بالاحترام والمراعاة المشتركة لاختلافاتهم،
مدركين لإنجازاتهم المشتركة ومسؤولياتهم تجاه أجيال المستقبل.
وبمعرفتنا بأن مَن يمارسون حرياتهم هم فقط الذين سيظلون أحراراً، وأن قوة الناس تُقاس برفاهية وحال الأضعف منهم).
هذه المقدمة العبقرية هي التي صنعت الأرضية الحقيقية للتميز السويسري في مجالات عدة ومختلفة؛ بداية من التعليم والطب والقضاء والأمن، وصولاً لجودة الحياة ونوعيتها التي تأتي فيها سويسرا في المرتبات العليا لمؤشرات القياس المتعلقة بها. وكان نتاج ذلك التفوق الخدمي والصناعي في مجالات مهمة، مثل صناعة الساعات وحلوى الشوكولاته والأغذية والأدوية والمعدات الصناعية عالية الدقة والصناعة البنكية والتأمين والفندقة والسياحة، مما مكّنها من احتلال المكانة الريادية في هذه المجالات المعقدة، رغم وجود منافسين أقوياء وشرسين للغاية. ركزت سويسرا على الاقتصاد الذي يقدم قيمة مضافة، ويخدم أجيال المستقبل، ولم تهتم بنشوات تحدثها المناسبات والأحداث، ولا بجذب سباق (الفورمولا) للسيارات، ولا ببناء أطول عمارة، أو استضافة مسابقة ملكات جمال الكون، وغير ذلك. سويسرا تعمل بهدوء وبلا ضجة، ولكنها تتقنه. ولا تسمع شيئاً عن جيشها وتسليحه إلا عن طريق علامة تجارية تحمل اسمه، وتروّج لمبيعات منتجات تحمل اسمه، مثل سكين الجيب وساعة اليد وحقائب السفر. لن تجد في سويسرا ميليشيا منشقة تدعي المقاومة بزعامة من يحمي مطلوبين للعدالة الدولية، ويقسم بالولاء لدولة أخرى.
سويسرا حالة ثقافية عميقة؛ حالة مبادئ وقيم مهمة هي التي تجعلها مميزة بما أنجزته عبر السنين والزمن، وليست حالة جمالية سطحية كجاذبية واجهة الفاترينة لمحل فخم ببضاعة فاسدة داخل المتجر. عندما يتم الاهتمام بالعقيدة السويسرية مثل الاهتمام بالجمال السويسري، وقتها فقط سيستحق لبنان وعن جدارة وصفه بـ(سويسرا الشرق)، أما من دون ذلك، فلا».
استمع إليّ الرجل اللبناني بحزن، وقال لي: «كلامك مؤلم، ولكنني لا أستطيع أن أجادلك أو أخالفك؛ لأنك محق في كل ما قلتَه، وهذا هو الواقع بلا تجريد ولا تعقيد». تنهد الرجل قبل أن يكمل: «سويسرا عمرها 800 سنة، ولبنان 100... ما زال معنا وقت». وضحكنا وكلنا أمل بغد أجمل.

jordantodayonline

GMT 00:33 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عن ردع إيران إقليمياً ودولياً

GMT 00:24 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم؟

GMT 00:20 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العرب بين أميركا بايدن أو ترمب

GMT 00:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أسبوع عالمي «إرهابي» بامتياز

GMT 00:04 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حرمان الأمومة... مرتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين سويسرتين بين سويسرتين



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 03:27 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تويودا غوسي تطرح سيارة غريبة بأكياس هوائية من الخارج

GMT 17:40 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

مصادر تنفي وفاة شاكر العليان حارس النصر السابق

GMT 18:29 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفلسطيني يكرم بطل التايكواندو ابو غوش ومدربه

GMT 00:00 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

شهر روتيني تتراجع خلاله أعمالك ومشاريعك وسير الأحداث

GMT 02:20 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق في العالم وتتفوق على لندن ودبي

GMT 15:23 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

ميراندا لامبرت تظهر صدرها في "الموسيقى الريفية"

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

ريتا أورا تتألّق في فستان أحمر مثير عند الصدر 

GMT 01:23 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

"بني حواء" من أجمل شواطئ الساحل الغربي الجزائري

GMT 15:22 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

لبنان يعلن 4 إصابات جديدة بفيروس كورونا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab