المجد للطائفية

المجد للطائفية

المجد للطائفية

 الالأردن اليوم -

المجد للطائفية

بقلم - سوسن الأبطح

لم يحسم اللبنانيون أمرهم بعد، تلك هي المعضلة الكبرى. يطلبون الشيء وضده. يريدون نظاماً طائفياً، طبقياً، ويحتجون على نتائجه الكارثية. يودون ديمقراطية بلا وساطات ولا محسوبيات، لكنهم حين يحتاجون إلى خدمة من سيد القبيلة، يهرعون إليه، ويجدون لذلك ألف مبرر.
لا تستطيع أن تقترع لزعيم طائفتك الذي يتقاسم الجبنة مع الزعماء الآخرين، أو تجلس في منزلك، تتفرج على التلفاز، وقد بلغت نسبة المستنكفين عن الاقتراع في الانتخابات النيابية الأخيرة (قبل سنتين فقط) 54 في المائة، ثم تسأل ببراءة، لماذا نهبت وسلبت، ووصلت إلى مجاعة، وعدت إلى زمن المقايضة والقرون الوسطى؟ ثمة دائماً مقدمات ونتائج. بالمنطق العلمي، حتى المقدمات الصحيحة لا تكفل وحدها الوصول إلى نتائج صحيحة، فما بالك حين تبدأ بالفرضيات الخاطئة، عندها تضمن أن الفشل حليفك الأكيد.

في عز انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، وبينما كانت الهتافات بإسقاط النظام الطائفي تصدح مدوية في الساحات، وتحصد إعجاب العالم لمدنيتها ورقيها، أجرت مؤسسة «أديان» استطلاعاً بين الشباب وهم الذين تصدروا المظاهرات، لرصد صدق ما يتردد على الألسن، فكانت النتيجة صادمة؛ ثلاثة أرباع المستفتين قالوا إنهم يعتبرون النظام القائم، يكفل حقوق الطوائف وإن كان يهمش الأقليات، ونحو نصفهم اعتبروا أنه يضمن للطوائف وأبنائها حصتهم في السلطة والوظائف. غاب عن هؤلاء أن زعيم الطائفة لم يعد يضمن سوى حصة المحاسيب والأزلام. في حقيقة الأمر، أن التغير الوحيد الذي طرأ وأنزل الناس الشارع، هو ضيق الحال وشح الأموال، الذي جعل الانتفاع الطائفي محصوراً في دائرة ضيقة حول صاحب النعمة، فثارت حفيظة الباقين وانتفضوا. في العمق، هي ثورة على تقصير الزعيم، لا احتجاجاً على بنية متهالكة قديمة وعفنة. الفرق شاسع، ونتائجه ليست واحدة.
يتجاوز ما يعبر عنه اللبنانيون، الانقسام في الرأي حول نظامهم السياسي العنصري الفاسد، ثمة ازدواجية محيرة، ونكران مريب. إذ إن ما يقارب 90 في المائة من الشباب المستفتين، رغم إحساسهم بأن النظام يحميهم بطائفيته، اعترفوا بأنه هو الذي يتسبب في التوترات والمحاصصة ويمنع المحاسبة. فكيف لابن الطائفة المخلص أن يرى في النظام عينه مأمنه وملجأه ومصدر ظلم وقلق وانعدام أمن، في وقت واحد.
وكي لا تظن أننا نفتري على أحد، فقبل شهرين أجري استطلاع آخر، وكانت الأوضاع قد تدهورت، وأطلت الكارثة المالية برأسها، مع ذلك قال ما يقارب نصف المستطلعين، إنه لو أجريت الانتخابات مرة جديدة، لأعادوا اختيار الأشخاص أنفسهم. أي أن شيئاً لم يتغير في سيكولوجيا الطوائف، وأن الخوف من الآخر، وتوارث الشعور بأبوية الزعيم كحام للمجموعة الدينية، وإنْ سلبها أنفاسها، لا يزال يتحكم في سلوك غالبية، بمقدورها ترجيح الكفة لصالح حكم الطوائف.
في لبنان تجري انتخابات، وإن كانت بقانون مجحف. ولو اختار اللبنانيون غير زعاماتهم التقليدية لوصلوا. لو أنهم قالوا لا مدوية، لمن يعرفون فسادهم، لكانوا بدلوا بالخريطة التمثيلية واستراحوا، لكن بدا أن ثمة تواطؤاً شعبياً على الاحتفاظ بطبقة، جلّ ما تستطيعه هو سوق البلاد إلى انهيار شامل. كانت تلك الفرصة الأخيرة ولم تستغل. اليوم، رغم أن الليرة فقدت أكثر من 85 في المائة من قيمتها، لا تزال الطوائف تراوغ. حتى الجوع غير كافٍ لإجبار اللبناني على التوبة عن طائفيته. لا داعي للخجل، لا ضرورة للإنكار. هل ثمة من يجهل أسماء الشركاء في تفليس البلد؟ هل ثمة من لا يعرف عناوين منازلهم؟ ماذا يعني قطع الطرقات على البسطاء، والاعتداء على أملاك الناس، بدلاً من تسمية الأشياء بأسمائها... الروائح النتنة تزكم الأنوف، ومع ذلك بقي شعار «كلن يعني كلن»، يداري نية ضمنية خبيثة عند بعض المحتجين، مفادها: «كلن ما عدا زعيمي». هذا ما جعل مطالب المنتفضين ضبابية، وقدرتهم على صوغ برنامج عمل، ولو بخطوط عامة، هو من بين المستحيلات.
وبدلاً من أن تتكتل مجموعات المعارضة المدنية اليانعة، ويدفعها البؤس العارم، إلى التخلي عن النرجسيات المريضة، تراها تتكاثر كالفطر، ولا تعرف بالضرورة ما هو الفارق الجوهري بينها، حتى أنك لا يمكن أن تحفظ أسماءها. فراغ جعل زعماء الطوائف قادرين على الدفع بجماعاتهم إلى الشوارع، بصفتهم ثواراً (وتلك مهزلة أخرى) بأجندات مختلفة ونوايا مبيتة، وكأنما وجدوا بذلك أفضل طريقة لمنع المحتجين الخلّص من التظاهر، باحتلال الساحات عوضاً عنهم، وادعاء غضب أكبر من غضبهم، بل واتهام عامة الناس، بالصمت والتخاذل. هل من وقاحة أكبر؟ أما وأن كل المسارب قد سدّت، والفاقة قد انتشرت وأوجعت، فلم يعد أمام اللبنانيين، الذين يتضور العديد منهم جوعاً وظلماً، سوى أن يحاصروا من سرقهم في منازلهم، وهم يعرفونهم واحداً، واحداً، بصرف النظر عن طوائفهم ومذاهبهم، إلى أن يعيدوا ولو جزءاً من المليارات التي كنزوها من أموال الناس، ولا يزالون يتآمرون، لمنع كسرة الخبز عن أفواه أطفالهم. فانتظار القضاء كانتظار غودو، والأمل في أن يحاكم المختلسون أنفسهم، فتلك سوريالية لا يؤمن بها حتى سلفادور دالي.

jordantodayonline

GMT 00:33 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عن ردع إيران إقليمياً ودولياً

GMT 00:24 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم؟

GMT 00:20 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العرب بين أميركا بايدن أو ترمب

GMT 00:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أسبوع عالمي «إرهابي» بامتياز

GMT 00:04 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حرمان الأمومة... مرتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجد للطائفية المجد للطائفية



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 03:19 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

قصات شعر قصيرة مناسبة ليوم صيفي حار ورطب

GMT 01:06 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلن مشاركتها بمسلسل رومانسي في رمضان 2020

GMT 21:58 2019 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

مجلس جهة الدار البيضاء يمنح الوداد المغربي مبلغ مالي ضخم

GMT 12:11 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

عبد الرازق حمدالله يعيد فتح حسابه في "تويتر"

GMT 23:30 2019 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أفكار ديكور جلسات خارجية مميزة وراقية

GMT 13:12 2019 الجمعة ,08 آذار/ مارس

أمطار متفرقة على منطقة جازان الجمعه

GMT 08:59 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

إليك أفضل تصاميم أرضيات غرف النوم العصرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab