قراءة في طلاق ملكي

قراءة في طلاق ملكي

قراءة في طلاق ملكي

 الالأردن اليوم -

قراءة في طلاق ملكي

بقلم - نور الدين مفتاح

عندما كان الملك محمد السادس يقود ثورته التواصلية من داخل التقاليد المخزنية المعقدة، كان يترك للآخرين جزءا من التكييف والمواكبة في إطار تقدير مهني صعب.

فحين أعلن عن خطوبته من للا سلمى في 2002، كان مستشارو الملك يجتمعون ببضعة صحافيين في المشور السعيد للتداول معهم في كيفية إعلان الحدث، وكان ضمنهم أزولاي وبنيعيش وغيرهما، انتظرنا صورة للا سلمى لساعات، وعندما وصلت، كيفها كل واحد كما قدر. وفي "الأيام" نشرنا الصورة التاريخية لحدث غير مسبوق مع عنوان جريء: "ملكة المغرب".

بالطبع ليست في تقاليد المغرب ملكة ولا امرأة لتحمل مسؤولية الملك، إلا أن الحماس دفع إلى اختيار التضخيم المناسب لجرأة ملك شاب في قطع بعض الأوردة العتيقة للتصور المخزني للحياة الخاصة للجالس على العرش.

وسار الملك في رسم حدود الانفتاح في حياته الأسرية، وظل الهم طيلة عشرين سنة هو الحرص على تواجد الملك الحاكم والملك الإنسان، وتم استغلال الثورة التكنولوجية الجديدة بذكاء، وأصبحت تظهر صور الملك وهو بلباس شبابي متحرر متجاورة مع صوره وهو بجلباب أمير المؤمنين، وأصبحت زوجة الملك جزءا من المجال العمومي بشكلها الذي يتماشى مع مرأة مغرب الألفية الثانية ولباسها المتحرر، وانتهى إلى غير رجعة عهد الزوجات "السريات" للملوك العلويين.

خلال هذا التحول التواصلي وقع بطبيعة الحال الاحتكاك في أكثر من مرة مع الصحافة الوطنية والدولية، وفي مناسبتين اثنتين أصاب هذا الاحتكاك "الأيام" بمحاكمة حول "حريم القصر" في 2005 وتحقيق بوليسي منهك حول صورة أم الملك في 2009، وكان هذا جزءا من كلفة التحول، لأن كل جديد لابد له من مخاض لترسم له الحدود.

إن المعادلة الصعبة بين الحق في الحياة الخاصة وحق المغاربة في معرفة أخبار عائلتهم الملكية على غرار باقي الشعوب المتقدمة مع ملوكها وملكاتها هي التي ما تزال تدبر إلى اليوم على حبل دقيق، وسيستمر هذا الأمر بين الإقدام والتأني، إلا أن الاتجاه سيكون نحو مزيد من الانفتاح، لأن ما قام به الملك بخصوص حياته الخاصة في علاقتها مع الرأي العام لا رجعة فيه.

من هنا يمكن فهم الكيفية التي دبر بها القصر موضوعا من أكثر المواضيع حساسية، وهو نهاية الزواج الملكي.

لقد تواصل القصر بالرموز، وفي بداية العام 2018 بمصحة باريسية، حيث أجرى محمد السادس عملية جراحية على القلب خرجت صورة ضاجة بالرسائل، الأولى هي أنه لأول مرة توزع صورة ملك على فراش المرض، وكان السائد أن الملك قوي دائما ولا يمكن أن يتقاسم لحظات ضعفه مع العموم لأنها تمس بهيبة العرش، والثانية هي غياب للا سلمى، وبالتالي كان على الجميع أن يستنتج ويفهم دون الحاجة للكلمات.

وخلال عام ونصف العام غابت الأميرة "أم سميت سيدي" عن الفضاء العمومي وتناسلت الأخبار، فيها المسرّب وفيها المخمن وفيها المبالغ فيه، إلا أن القصر لم يتدخل، ونحن في "الأيام" كتبنا مرات عن الموضوع وتساءلنا وشاركنا قراءنا قدر المستطاع تخميناتهم وربما حيرتهم، وفي النهاية كان يجب أن تبقى المبادرة في يد صاحب الشأن وهو الملك، الذي يجتهد بدوره في تدبير نفس المعادلة الصعبة ما بين الحياة الخاصة كمِلْك لأصحابها وحق المواطنين في معرفة أخبار عائلته الملكية.

وجاءت الفرصة، وأعطى السياق مناسبة من ذهب لرفع الإحراج، والمساعدة على سلاسة الإخراج وبدون صدمة، للإعلان عن طلاق الملك والأميرة للا سلمى بشكل عرضي، في إطار الرد على صحيفة "غالا" التي جنح بها الخيال لدرجة أن شبهت بين الأميرة للا سلمى وما جرى لزوجة محمد بن راشد حين هربت إلى لندن. كان الادعاء قاسيا، وكان الرد من طرف  محام من الوزن الثقيل، الفرنسي دوبون موريتي، ولكن كلمة واحدة في هذا الرد جعلت البيان يضرب بالفعل عصفورين بحجر واحد، وأصبح خبر الفراق الملكي مؤكدا دون الحاجة إلى إصدار بلاغ رسمي من الديوان الملكي، وحتى في هذا الحدث غير المفرح بطبيعة الحال، كأي طلاق، كان هناك درج آخر في مصعد تكسير الطابوهات، وكانت هناك جرأة غير مسبوقة في لي عنق جزء من التقاليد المخزنية العتيقة.

إذا كان الملك قد سجل سبق إعلان زواجه وكشف زوجته والعيش في إطار أسرة مغربية مع زوجة واحدة، فإن حدث الطلاق يصير عاديا، فكما خرق محمد السادس عادة سرية الزواج لدى الملوك المغاربة، فإنه كسر أيضا عادة عدم الطلاق أو سريته.

وإذا كان الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، فقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقراء والأغنياء والحكام والقادة قد يتفاهمون وقد يختلفون مع شركاء حياتهم، والحل المنسجم مع تكريم الإنسان هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ومن هذه الزاوية يعتبر طلاق الملك، والإعلان عن ذلك، واستمرار الأميرة في العيش ببلادها بجانب ابنيها وهي تصرف يوميات حياتها العادية، كما يلتقطها بين الفينة والأخرى المواطنون، حجرة أخرى في هذا البنيان الذي تجاوز إلى غير رجعة جدار التقديس ليعلي من سور الملك الإنسان، أبا وزوجا وأخا، يفرح ويحزن، يقف ويتعثر، ولكنه يحاول في خصوصياته أن يكون له الحق في أن يكون مغربيا كباقي المغاربة، وفي وظيفته الدستورية أن يكون ملكا يقود المغرب نحو انتقال ديموقراطي وتنموي منشود.

من كان يتصور يوما في المملكة المغربية أن يكون هناك في نفس البلد ملك وزوجته السابقة التي هي أم ولي العهد، والأبناء يعيشون بشكل طبيعي كأي أسرة، في أمان وحرية؟ إنها المملكة المغربية الثانية، والبقية تأتي.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

jordantodayonline

GMT 04:56 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

العبور إلى النصر على جسر الموسيقى

GMT 13:10 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

من شعراء الأندلس - ٢

GMT 04:08 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

زهد موريتانيا ومنظومة الأمونيوم اللبنانية

GMT 03:07 2020 السبت ,22 آب / أغسطس

بري والحريري لن يتركا لبنان ينهار

GMT 10:31 2020 السبت ,15 آب / أغسطس

نصرالله يدافع عن سقوط حكومته

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في طلاق ملكي قراءة في طلاق ملكي



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 00:24 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور جزيرة غامضة في المحيط الهادئ عمرها 4 سنوات

GMT 01:24 2017 الخميس ,25 أيار / مايو

"ميغان" تكشف عن سيارة "رينو سبورت" المميّزة

GMT 02:26 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

قرود "البابون" تلجأ إلى تنظيف أسنانها بخيوط المكنسة

GMT 17:34 2016 الثلاثاء ,19 إبريل / نيسان

ليليا الأطرش تعتذر عن المشاركة في  "باب الحارة 8"

GMT 21:54 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رابطة لاعبي التنس توسع عقوبة الاسترالي نيك كيريوس

GMT 04:32 2016 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

محاكمة 8 أشخاص بتهمة تخريب قناع توت عنخ آمون

GMT 22:04 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

ترقية المتحدث الرسمي لشرطة منطقة مكة المكرمة

GMT 21:40 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

متنافسات ملكة جمال مصر يطلقن دعوة ضد التحرّش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab