روسيا في الشرق الأوسط كيف وإلى متى وبأي ثمن

روسيا في الشرق الأوسط... كيف وإلى متى وبأي ثمن؟

روسيا في الشرق الأوسط... كيف وإلى متى وبأي ثمن؟

 الالأردن اليوم -

روسيا في الشرق الأوسط كيف وإلى متى وبأي ثمن

جميل مطر
بقلم:جميل مطر

قبل نحو خمسة وستين عاماً حانت لروسيا المسماة آنذاك الاتحاد السوفياتي، فرصة الدخول للشرق الأوسط ولم تضيّعها. كان الشرق الأوسط، المسمى آنذاك الإقليم العربي، يغلي. وقتها خرجت القاهرة عن المألوف في سلوك الدول العربية المتحالفة مع الغرب لتعقد مع موسكو صفقة سلاح تشيكية. وللحقيقة يجب أن نعترف بأن دمشق كانت الرائدة في هذا المجال حين جرّبت شراء سلاح من الكتلة الشرقية في الأربعينات، أي قبل عقد الصفقة المصرية التشيكية بأعوام قليلة.
كان للصفقة المصرية، وهي ليست بقيمة مادية كبيرة إذا قورنت بصفقة على وشك أن تُعقد أو لعلها عُقدت بالفعل بين مصر وروسيا البوتينية، صدى كبير في الرأي العام المصري وبخاصة داخل القوات المسلحة المصرية التي انتظرت طويلاً استجابة أميركا، الحليف الأعظم في ذلك الحين، لطلب الجيش المصري في أعقاب تسلمه الحكم، مده بأسلحة متطورة. أعلم بالتأكيد الصدى الإيجابي لهذه الصفقة ليس فقط في دوائر النفوذ في مصر ولكن أيضاً في دول نامية عديدة. تأكد الصدى عالمياً وتصاعد عندما وجّهت موسكو تحذيراً بالغ العنف إلى دول العدوان الثلاثي على سيناء وقناة السويس، وتأكد عندي شخصياً عندما سمعت تفاصيل أول اختراق روسي للشرق الأوسط من رجل كان مع ضابط آخر على رأس وفد المفاوضين في براغ وكوفئ بنقله من منصبه رئيساً لهيئة التصنيع الحربي ليصبح أول سفير لمصر في جمهورية الصين الشعبية، حيث عملت معه قبل أن ننتقل معاً إلى سفارتنا بالعاصمة الإيطالية.
كان حلماً من أحلام عديدة للقياصرة الروس ورثه عنهم حكم البلاشفة. حلم انتظر كأحلام كثيرة فرصة ليتحقق. حانت ظروف ساهمت في تحقيق أول دخول روسي في الشرق الأوسط. من هذه الظروف:
أولاً، تلكأت الولايات المتحدة أطول مما يجب لتلبية طلب الحكام الجدد في مصر عقد صفقة تسليح متواضعة إرضاءً لجيش خارج لتوّه من هزيمة في فلسطين وأزمة فساد في السلاح في أعلى سلطة بالبلاد خلال العهد السابق.
ثانياً، إصرار حكومة القاهرة على الاستمرار في سياسة رفض التحالفات العسكرية مع القوى الغربية الكبرى، ومنها الحلف المركزي الذي تطور ليسمى «حلف بغداد» وأسقطته المشاعر والمظاهرات المناهضة للغرب. ثالثاً، عقد صفقة السلاح بين القاهرة وبراغ، وكان لتوقيعها وقع المفاجأة السياسية التي حركت آمال الجماهير العربية في توليد قوة عربية تستطيع مواجهة إسرائيل.
رابعاً، العدوان الثلاثي الذي نجح في تدمير أسلحة روسية لم يستكمل الجيش المصري تدريبه على استخدامها. هذه التطورات إلى جانب مظاهر الصعود المتتالي للمشاعر المعادية للغرب في معظم أنحاء الشرق الأوسط كانت كافية لتشجيع القائمين على الحكم في روسيا على الانخراط بإصرار لتحقيق حلم الآباء القياصرة في الوصول بالنفوذ الروسي إلى المياه الدافئة في الشرق الأوسط، فكان قرار تسليح مصر في عام 1955.
مرت سنوات، بل عقود، على تجربة التدخل الروسي الأولى، أي قبل أن يأتي فلاديمير بوتين إلى الكرملين ويرى الإمبراطورية الروسية، وقد انكمشت أطراف كثيرة من هوامشها، وبخاصة الشرق الأوسط وبعض أقاليم الجوار القريب. لكنه رأى الحلم الإمبراطوري حياً، وقلب روسيا، وأقصد الكرملين ومؤسسات الدولة التقليدية مثل الكنيسة والاستخبارات، ينبض كعادته بالحلم. لم تنقص بوتين النية أو الإرادة. كلتاهما توفرت. لم يبقَ لاستئناف جهود تحقيق الحلم إلا توفر الفرصة المفجرة للتدخل الروسي الثاني في الشرق الأوسط. وقد توفرت في 2015 بالأزمة في سوريا.
حانت الفرصة المناسبة ولم تكن واحدة بل عديد من الفرص في آن واحد. أولاً: كانت أميركا قد عقدت النية على الانسحاب من مواقع خارجية وبخاصة من الشرق الأوسط. ثانياً: كانت أميركا تفقد بمعدلات متسارعة جاذبية قواها الناعمة. ثالثاً: كان حلفاء أميركا في المنطقة يقعون حليفاً بعد الآخر في مزاج التمرد على الحليف الأعظم. رابعاً: كانت الصين تتقدم في الشرق الأوسط مخترقة حواجز عديدة وعابرة بسهولة ونعومة عقبات أخرى. خامساً: لا قلق ولا خشية من موقف عربي واحد تقوده دولة عربية كبرى أو مجموعة دول ضد مبادرات روسية لدخول الشرق الأوسط والإقامة فيه ضيفاً لمدد غير قصيرة. لا قلق ولا خشية إذ كانت النزاعات العربية العربية قد تفاقمت وتشعبت وفقدت المجموعة العربية بوصلتها الواحدة، حتى إن بعضها راح يستعين بروسيا ويبحث فيها لأول مرة منذ حصوله على الاستقلال عن مصالح مشتركة ومواقع آمنة.
سادساً: كانت أيضاً الخلافات داخل حلف الناتو بلغت حداً يهدد بانفراط إرادة الحلف لصالح روسيا. نعم كان واضحاً، حتى لنا في الشرق الأوسط، أن الأطراف الجنوبية للحلف مثل تركيا واليونان وقبرص وفرنسا وإيطاليا لم تعد تتحمس للحلف بالولاء أو الانتماء كما في الماضي، فضلاً عن تصريحات ومواقف للرئيس دونالد ترمب تكشف عن عدم اهتمام بالحلف ومستقبله.
الفرصة متاحة والإرادة متوفرة. شرطان ضروريان لاستئناف التدخل الروسي في الشرق الأوسط. كانت هنا مصلحة عاجلة ومصالح أخرى بعضها معلن وأغلبها كامن. تابعنا الفرص، أما إرادة التدخل فقد تمثلت فيما يلي:
أولاً، أراد الرئيس بوتين بتدخله في سوريا لفت الانتباه بعيداً عن غزو روسيا لأوكرانيا وانتزاع أو استرداد شبه جزيرة القرم، الموقع الأهم استراتيجياً من مواقع ومصالح أخرى عديدة.
ثانياً، كان سباق بيع السلاح قد بدأ في الشرق الأوسط بزبائن مستعدين لدفع مبالغ لم يحلم بها قادة الاتحاد السوفياتي. نذكر كيف كان القادة السوفيات يعرضون تسهيلات باعتبار أن هدفهم الرئيس إقامة علاقات استراتيجية وعقائدية وليس الحصول على عوائد مادية، الأمر الذي لا يخفيه الرئيس بوتين من وراء اشتراك بلاده في سباق التسليح إلى جانب تحقيق مزايا استراتيجية.
ثالثاً، تولدت لدى روسيا رغبة قوية في التنسيق مع دول الخليج في أنشطة متعلقة بالنفط، إنتاجاً وتسعيراً وصناعةً وتسويقاً، وخلق مصلحة لدول الخليج في تعميق وتنويع التعاون مع روسيا.
رابعاً، كان لا بد والفرصة متاحة أن تستأصل روسيا الجذور القوقازية للإرهاب الإسلاموي التي امتدت إلى سوريا واستقرت هناك. وبالفعل حقق التدخل العسكري الروسي هذا الهدف.
خامساً، إضعاف حلف الناتو باختراق صفوفه الخلفية في الشرق الأوسط، وبخاصة في تركيا، حيث صارت قاعدة «إنجرليك» شبه محاصرة بقواعد روسية في شمال سوريا وعلى شواطئها.
سادساً، يعتقد مخططون من الروس أن بوتين نجح شخصياً وكرئيس للدولة الروسية في أن تقبل الولايات المتحدة التنسيق مع روسيا في أنشطة كثيرة، بعضها معقّد، في سوريا والعراق والأردن وإيران وغيرها.
لمَّح أصدقاء أميركيون إلى أن ما يحدث أمامنا في سوريا لا يخرج عن كونه جزءاً من عملية محسوبة جيداً لتسليم وتسلم «وضع هيمنة» بين دولتين عظميين، دولة تنسحب ودولة أتت لتحل محلها. عملية يمكن أن توصف بأنها تمثل حالة نادرة جرى خلالها نقل للهيمنة بوسائل سلمية بين دولتين متنافستين عسكرياً وسياسياً. النموذج الوحيد الآخر لهذه الحالة النادرة، وإنْ اختلف في كثير من مواصفاته عن هذه التجربة الروسية الأميركية في سوريا، تمثله تجربة نقل الهيمنة الدولية من بريطانيا العظمى إلى الولايات المتحدة خلال القرن العشرين.
أخيراً، صرنا شهوداً على عملية تاريخية سوف تترك آثارها على الشرق الأوسط بأسره وعلى علاقات الدول العظمى. لقد أصبحت روسيا لاعباً أساسياً في مشروع إقامة نظام إقليمي – دولي جديد. يبقى أنني لست واثقاً بدرجة كافية من أن روسيا الجديدة تقدّر بشكل جيد صعوبة ما ينتظرها.

 

 

jordantodayonline

GMT 04:56 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

العبور إلى النصر على جسر الموسيقى

GMT 13:10 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

من شعراء الأندلس - ٢

GMT 04:08 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

زهد موريتانيا ومنظومة الأمونيوم اللبنانية

GMT 03:07 2020 السبت ,22 آب / أغسطس

بري والحريري لن يتركا لبنان ينهار

GMT 10:31 2020 السبت ,15 آب / أغسطس

نصرالله يدافع عن سقوط حكومته

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا في الشرق الأوسط كيف وإلى متى وبأي ثمن روسيا في الشرق الأوسط كيف وإلى متى وبأي ثمن



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 01:54 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال السعودي مقابل درهم مغربي الاثنين

GMT 00:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس جمهورية جيبوتي يؤدي مناسك العمرة

GMT 03:09 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

بدائل جذابة وعصرية للفساتين السواريه

GMT 11:32 2018 الأحد ,27 أيار / مايو

عطر" Eau De Memo" الباريسي رحلة عبر حاسّة الشمّ

GMT 23:08 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

خلطات سهلة تساعدك على تقشير بشرتك الدهنية

GMT 16:27 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

رماية الإمارات تستهل مشاركتها في مونديال كوريا

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مرتضى منصور يؤكد تفاوض "الزمالك" مع حمزة المثلوثي

GMT 23:15 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

بذور الكينوا تعالج الضغط المرتفع والعلاج النصفى

GMT 07:23 2016 الثلاثاء ,05 إبريل / نيسان

قواعد الاتيكيت في الرحلات الصغيرة داخل السيارة

GMT 03:26 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إدارة "القادسية" تتلقي عرضًا من نادي "غوياس" البرازيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab