التدين المصري اللذيذ

التدين المصري اللذيذ!

التدين المصري اللذيذ!

 الالأردن اليوم -

التدين المصري اللذيذ

بقلم : محمد رفعت

المصريون شعب متدين بالفطرة، ولكن الدين عند المصريين ينفصل تماماً عن السلوك وعن العمل، ويختلط ببدع وعادات وأعراف وطقوس منها ما له علاقة بالدين، وما له علاقة بالرغبة المصرية القديمة والعريقة في التباهي والتفاخر، وتحويل ما هو روحي إلى ما هو مظهري ودنيوي وأحياناً سلطوي.. وقد حضرت مؤخراً مناقشة حامية بين مجموعة من أقربائي يتبارى فيها كل واحد منهم بحصر عدد "العمرات – جمع عمرة" التي قام بها للأراضى المقدسة.. وأحدهم قام بـ 27 عُمرة، والثاني بعشرين، وأقلهم قام بعشرة عمرات فقط.. وحين ذكرت لهم الكلام المعتاد عن أفضلية توجيه نقود العمرة المقبلة لعمل الخير أو مساعدة محتاج أو التبرع لمستشفى، هبوا فيّ جميعاً، واتهمونى بأنني عميل للسلطة ومن الأبواق التي تردد هذا الكلام الفارغ وتريد أن تحرم الناس من زيارة الأماكن المقدسة، لتوفير العملة الصعبة، حتى يتمكنوا فيما بعد من سرقتها وتحويلها إلى البنوك السويسرية.

ولأننى ليس لى حساب في أي بنك سويسري، ولا أعرف أحداً في السلطة ، فقد دافعت بشدة عن موقفي، واضطررت تحت الإحساس بالظلم والاستفزاز أن أواجههم بأشياء أخرى، لم أكن أنوي الخوض فيها من أجل اعتبارات القرابة.. لكن البادي أظلم.. ولأننى عشت سنوات في السعودية، اختزنت فيها الكثير من الصور الكاريكاتيرية عن سلوكيات المصريين في الأراضي المقدسة، فقد أحببت أن أطلعهم على بعض ما رأيت من مواقف تدخل في نطاق المضحكات المبكيات..

وحكيت لهم أننى تدخلت ذات مرة لفض خناقة بين معتمرين مصريين أمام الحرم بسبب "بطانية" مورا إسبانى، أصر الأول أن "ينكت" المملكة مدينة مدينة وشارع شارع حتى يعثر عليها، وأراد الثانى إقناعه بأن البطانيات الكوري، خصوصاً التسعة كيلو أفضل وأرخص.. لكن هيهات..وسألت أقربائي المعتمرين المتنافسين عن السر في إصرارنا كمصريين على اصطحاب "البطانيات" من السعودية، رغم شهرتنا العالمية بصناعة الغزل والنسيج، ثم تذكرت أن "الألحفة" الماليزي والكوري والصيني المحشوة بالإسفنج هي الموضة في السنوات الأخيرة فبلعت لسانى وسكت قليلاً، لأعاود الهجوم بنفس المنطق، وهو هذا الهوس المصري بشراء ملابس وبطاطين وفساتين وسبح وطواقي شبيكة وسجاجيد صلاة، وأحياناً مكانس وكاميرات فيديو وموبايلات.

وقل ما تشاء عما يحمله المعتمر خلال عودته من الأراضي المقدسة لأهله وأصدقائه ولنفسه بالطبع، لدرجة أن الأمر تحول عند البعض إلى تجارة، وبعد بوار المنطقة الحرة في بورسعيد، أصبح البعض يتسوق بضائعه في موسم العمرة.. وحتى يكون كلامى مقنعاً ذكرت لهم أسماء يعرفونها جيداً لجيران ومعارف لنا يسافرون سنوياً لهذا الغرض، للتجارة وليس لأداء الفريضة وكان هذا هو مربط الفرس، الجهل يا عزيزي، والتدين المصرى اللذيذ، فأنا أعرف بعض الناس يؤدون العمرة كل سنة ولا يصلون ورأيت بنفسي آخرين يتبادلون الأحاديث التافهة وهم يسعون بين الصفا والمروة، وكثير منهم لا يعرف مغزى المناسك، أو لماذا يفعل ذلك؟ ولماذا يقول ذاك؟ وما هي الحكمة الدينية من أداء تلك الطقوس؟

أما حجة التدين بالفطرة والإيمان الذي هو في القلب، والنوايا التي هي أفضل من العلم، فلا محل لها من الإعراب في عصر الراديو والتليفزيون ودروس المساجد وأشرطة الكاسيت، التي تشرح لمن يهتم أو يريد أن يكون متديناً حقيقياً، أو يعرف أبسط وأهم قواعد أداء مناسك الحج أو العمرة، لكن الحقيقة غير ذلك، وليست هناك إحصاءات دقيقة أو دراسات مفصلة عن نسبة من يولون وجههم شطر المسجد الحرام بالفعل وينوون أداء فريضة الله، ولا يريدون التجارة أو التظاهر أو التقليد، أو شراء الهدايا، أو إنفاق بعض المال، أو "الفسحة"، لكنهم بالتأكيد نسبة ليست قليلة، وهؤلاء يجب أن يتحدث إليهم أحد، وأن يقول لهم إن العبرة ليست بعدد "العمرات"، ولكن بما يتقبل الله منها!.

jordantodayonline

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدين المصري اللذيذ التدين المصري اللذيذ



GMT 10:36 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

"أديب ذو سجون " للكاتب المغربي عبده حقي

GMT 10:31 2019 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 14:46 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

على مفترق يسمونه حضارة وجدتني تائهة

GMT 14:32 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

على مفترق يسمونه حضارة وجدتني تائهة

GMT 12:37 2019 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

فتاة القطار

GMT 16:24 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

كريستيانو رونالدو ينشر صور أولاده الثلاثة الصغار

GMT 14:41 2016 السبت ,02 تموز / يوليو

وظائف عمد شاغرة في محافظة جدة

GMT 07:50 2016 الخميس ,11 آب / أغسطس

إلى محمود درويش.. في حضرة الغياب

GMT 08:12 2016 الجمعة ,02 كانون الأول / ديسمبر

نرمين ماهر تستعد لتصوير دورها في" خسسني شكرًا" قريبًا

GMT 15:43 2015 الثلاثاء ,13 كانون الثاني / يناير

رئيسة الأرجنتين تسمح باصطحاب الكلاب على الطائرات

GMT 21:59 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

"FDA" توافق على دواء جديد لعلاج ضمور العضلات الشوكي

GMT 10:21 2017 السبت ,29 تموز / يوليو

العثور على جثة امرأة في صحراء شمال أشيقر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab