في حجرة حالكة الظلام, جلست أضم ركبتي إلى صدري, مستندة إلى الحائط, و برودته تسري في ظهري, عسى أن تخفف من النار التي تحرق جسدي بقوة و قسوة، أخذت العبرات تتساقط على وجنتي ببطء مميت.

-" رحماك يا ولدي, أنا أمك الضعيفة المحتاجة إليك"

وضعت يدي على بطني كما اعتدت دائما لمحادثتك يا ولدي فلم أجدك، لقد رحلت يا ولدي, وتركتني أموت كمدا على فراقك.

-" يا الله, ما أصعبه من فراق, إنه كانتزاع الروح من الجسد, هو الموت دون موت، اغفر لي يا ربي"

أخذت أضم يدي على بطني بقوة, وكأن يدي تبحث عنك, كما اعتادت دوما على لمساتك الحنونة تتبع يداي.

-"اه يا ولدي أهدهدك, كل صباح, أتذكر يا حبيبي, يا قرة عيني، كنت أحتضنك, وتلمس يداي, وأشعر بضمتك لي، هل تذكر كيف كنت أهدهدك, وأغني لك, فتتمايل مع نغمات صوتي. أتذكر مداعبات أصابعنا سويا, ورقصات إيقاعاتها معا .أتذكر أحاديث يومنا, ومناجاتنا. أتذكر لمساتك الحنونة مخففا حزني, وضحكاتك لفرحي أتذكر".

انفجرت شلالات دموعي مع فيضان الذكريات المريرة, تدمي قلبي, وتحرق روحي.

-"سيدتي إن حالة الجنين غير مطمئنة, فنبضه يضعف بشدة"

صرخت في الطبيب قائلة "عم تتحدث ؟ ماذا أصاب ابني ؟"

-" اهدئي يا سيدتي, دعيني أتابع الحالة"

-" ماذا تعني اهدئي ؟ إنه ابني يا سيدي, حلم عمري, أملي في الحياة، كيف بالله أهدأ ؟"

-" هيا يا سيدي سنقوم بعمل بعض الفحوصات والأشعة لنرى"

أخذت أركض, وأنا أضمك بيدي خوفا عليك, وأحادثك بين أنفاسي المتقطعة المتلاحقة من الركض .

-" ابني يا حبيبي تماسك لا تتركني, لا تدعني أموت قهرا على فراقك, تماسك فأنت حياتي و روحي, ابني يا قرة عيني, يا حلم العمر"

كان الطبيب يجري الفحوصات, والقلق يعصف بمحياه, وعلى الشاشة أمامي أراك تفقد روحك, أراك تموت, أراك تحرك يديك بعشوائية تبحث عني يداي.

أجري بيدي نحوك, فتتجه يداك إليها بضعف أشعره قبل أن أراه، جرت دموعي أنهارا, وأنا أصرخ "ولدي لا ترحل, لا تتركني"

تلامست أيدينا, ثم أخذت يداك تبتعد ببطء قاتل عني, وأنا أبكي وأصرخ "لا ترحل, لا تتركني يا ابني, يا حياتي ,يا قرة عيني لا ترحل"

و إذا بيدك تسقط بجوارك ولا تتحرك, أضمك بشدة, والطيب يحاول منعي, وهو يقول " سيدتي أن ابنك مات .أرجوك اهدئي, يجب أن نقوم بالعملية الآن و إلا ستموتين"

صرخت فيه " ابني لم يمت, ابني لن يتركني ,عم تتحدث, أتركني, سأرحل, أنت كاذب, ابني لم يمت، كيف تجرؤ على الكذب علي/ ثم أخذت أركض في طرقات المستشفى، كنت وحدي معك كما كنت دائما يا مؤنسي, يا رفيقي ,يا ولدي.

أخذ الجميع يركض ورائي, والطبيب يتصل بوالدك ليحضر من سفره، أمسكت بي بعض الممرضات, وأنا أصرخ "أتركوني ,لا تأخذوا ابني, لا تحرموني من روحي . يا قتلة, يا سفاحين ألا ترأفوا بي ؟ ألا ترحموه ؟ ألا تترفقوا بأم مثلي"

أقبل الطبيب محاولا تهدئتي, وأنا أصرخ "لم يكن ذنبي أني تزوجت و أنا كبيرة .لم يكن ذنبي أن يتأخر حملي, لم يكن ذنبي ,أرجوك لا تحرمني من حلم عمري, أتركني أموت معه, كن رحيما و اتركني أموت معه, فلا حياة بعده .كيف تكون قاسيا لهذه الدرجة"

سقطت أرضا, وأخذت أنزف, وأنا أضم يداي على بطني, وأصرخ " دعوني أموت, إني راحلة مع ابني, أتركوني" ثم مادت بي الأرض, وفقدت الوعي, لأجدني على السرير و بجواري أبوك, ما أن رأيته حتى استعدت حواسي.

كانت الدموع تغرق وجهه, والقلق مرسوم على محياه, وهو يقبل يداي ورأسي ، نظرت له ملتاعة, و أخذت أبكي وأصرخ, وأنا أضم يدي على بطني فلا أجدك, أخذ يضمني ويهدهدني كما كنت افعل معك, وهو يقول "قضاء الله يا حبيبتي, سيعوضنا الله خيرا"

أخذت أبكي بقوة و أنا أردد " يا ربي الرحيم .. ارحمني يا الله .. ابني, ولدي الحبيب, قرة عيني "

لم أعد أحتمل أكثر من ذلك, يا لها من ذكريات قاتلة, لقد توقفت حياتي إلى الأبد، ارتفع نحيبي, فأقبل زوجي مسرعا, وأخذ يضمني مهدهدا برقة, فرفعت عيني إلى عينيه, فرأى الموت في عيني, فأنا الميتة في عالم الأحياء, فأسرع بضمي بقوة وهو يقرأ القرآن.